الوطن| رصد
كتب الخبير الاقتصادي نور الدين حبارات، مقال رأي تحت عنوان “مسؤولية المركزي والحكومات السابقة والمتعاقبة عن انخفاض قيمة الدينار”: إن المصرف المركزي والحكومات السابقة والمتعاقبة يجب أن تقر بمسؤوليتها المباشرة عن انخفاض قيمة الدينار الليبي و تراجعه أمام الدولار و باقي العملات الأجنبية و ذلك بسبب عدم اتخاذهم التدابير المالية و الاقتصادية اللازمة و الضرورية لحمايته منذ مطلع العام 2012 م و ذلك على النحو التالي”.
وأشار إلى التدابير التي لم يتم الالتزام بها بقوله: “أولا: عدم قيامه خلال العام 2012 م بإعادة النظر في سعر صرف الدينار وذلك بالتزامن مع قرار اللجنة الشعبية العامة سابقاً رقم 27 لسنة 2011 م بشأن زيادة قيمة المرتبات بنسبة 100%، فالقرار المذكور كان لاعتبارات سياسية لا اقتصادية، فليبيا آنداك فرضت عليها عقوبات دولية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1971 لسنة 2011 م حيث جمدت أصولها وأرصدتها في الخارج بما فيها أرصدة المركزي كما تضمنت العقوبات حظرا كاملاً على تصدير النفط”.
وأفاد بأن هناك علاقة عكسية بين سعر الصرف وفاتورة المرتبات أي أن زيادة فاتورة المرتبات تؤدي عملياً إلى انخفاض في قيمة الدينار خاصةً في بلد غير منتج و يعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد في توفير كافة احتياجاته لا سيما الأساسية، فإنه كان حري بالمركزي و حكومة الراحل عبدالرحيم الكيب آنذاك تخفيض قيمة الدينار من 1.40 إلى 2،5 دينار للدولار وذلك بهدف الحد من الطلب والضغوطات على الدولار “لكن هذا كله لم يحدث”.
وأوضح أن النقطة الثانية تمثلت في توسع حكومة الكيب خلال العام 2012م في الإنفاق العام بشكل كبير وذلك باعتمادها ميزانية بقيمة 70 مليار دينار وهي الأضخم في تاريخ ليبيا آنداك.
وفي النقطة الثالثة، يقول حبارات إن حكومة زيدان سارت على النهج نفسه خلال 2013م وذلك بعد تقديمها ميزانية ضخمة بقيمة 66 مليار دينار، وعلى الرغم من أن إيرادات النفط تراجعت خلال النصف التاني من العام 2013 م بسبب الإقفال ووقف التصدير، فإن هذه الحكومة لم تعد النظر أبداً في مخصصات الميزانية بما يتماشى مع الظروف المالية التي تمر بها و ذلك عبر إلغاء بعض النفقات في بعض الابواب و البنود طبقاً للمادة (11) من قانون النظام المالي للدولة ما أدى إلى السحب من الأموال المجنبة لتغطية العجز في الميزانية.
وأردف قائلا: “أقرت حكومة زيدان خلال شهر أكتوبر من العام 2013 م علاوة للأبناء وللزوجة بقيمة 100 و150 دينارا وذلك بموجب قوانين صادرة عن المؤتمر الوطني العام وعجزت عن صرفها على الرغم من علمها المسبق بعدم وجود موارد مالية كافية مستدامة لتغطيتها بسبب إقفال النفط من جهة وتوسعها في الإنفاق من جهة أخرى”.
وأوضح حبارات أنه خلال مارس من العام 2014م تقدمت حكومة زيدان أيضا بميزانية بقيمة 56 مليار دينار على الرغم من علمها المسبق بعدم وجود موارد مالية تغطي حتى %50 من إنفاق بذلك الحجم وذلك بسبب تراجع الطاقة الإنتاجية للنفط إلى ما دون ال %30 من طاقته المعتادة والتي كانت تقدر آنذاك ب 1250 برميل يوميا، ما أدى في نهاية المطاف إلى مراكمة حكومة الغويل للديون التي خلفتها عبر الاقتراض من المركزي في شكل سلف مالية.
وتحدث عن العام 2015م مبينا أنه مع بدء شرارة الانقسام السياسي والمؤسسي و تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية فضلاً عن استمرار إقفال معظم حقوله و موانئه اضطر المركزي إلى فرض قيود مشددة على صرف النقد الأجنبي ما أدى إلى ازدياد الأوضاع سوءاً خلال العام 2016 حيث تفاقم العجز في الميزانية العامة حتى وصل إلى نسب قياسية و تنامى الدين العام المصرفي إلى ما يقارب 153 مليار دينار و ناهز العجز التراكمي في ميزان المدفوعات ال 50 مليار دولار ما يعني خسارة الاحتياطي الأجنبي قرابة %50 من رصيده الذي سجله في نهاية 2011م والمقدر بـ 110 مليار دولار.
ولفت إلى أن جميع هذه المؤشرات السيئة ألقت بظلالها على قيمة الدينار الذي هوى إلى حدود ال 10 دينار للدولار كاش و14 دينارا للدولار بصكوك في السوق الموازية ترافقه أزمة سيولة حادة هي الأسوأ منذ عقود.
وأكد الخبير الاقتصادي أنه ومع عودة إنتاج و تصدير النفط منذ 2017م و إلى يومنا هذا فشلت كل الحلول التلفيقية والترقيعية لإصلاح سعر الدينار من خلال إجراءات أرباب الأسر ومن خلال فرض الرسم أو الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي عند 3.90 دينارا للدولار إلى أن تم تخفيضه بشكل رسمي عند 4.48 منذ ديسمبر 2020م.
وذكر حبارات أن مسألة إصلاح الدينار أصبحت معقدة في ظل عدم رغبة كل من الحكومة و المركزي في ذلك خاصةً و أن السعر الحالي يخدم مصالحهما فالأول أي الحكومة يوفر لها مصادر تمويل كبيرة تتجاوز حاجز 100 مليار دينار سنوياً والثاني أي المركزي يخفف عنه الطلب على النقد الأجنبي و يخفف عنه الضغوطات على السيولة كما يجنبه سيناريو تفاقم الدين العام مجدداً عبر إقراضه الحكومة.
واختتم نور الدين حبارات مقاله: “أما المواطنون فهم الضحية والمتضررون وهم من يعانون لأنهم هم من يمولون الإنفاق الحكومي من خلال دخولهم ومدخراتهم بل بالأحرى هم من يدفعون ثمن السياسات الخاطئة للحكومات والمركزي”.